من المستفيد من سحب القوات السودانية من اليمن؟
ترددت إشاعات عن سحب السودان قواتها المشاركة في تحالف دعم الشرعية في اليمن، ولكن تبين أنها لم تكن إلا مطالبات وأماني، بعد أن قطعت جهيزة قول كل خطيبِ، بعد أن صرّح من بيده قرار الانسحاب وفقاً للدستور السوداني، الرئيس عمر البشير، بأن مشاركة السودان في دعم الشرعية في اليمن فرضتها القيم الدينية والأخلاقية، وأنهم ماضون في هذه المشاركة حتى تبلغ غاياتها النبيلة، كما أنه أكد أكثر من مرة أن الجيش السوداني باقٍ في اليمن حتى تعود الأمور إلى نصابها.
إذن، ما هي قصة تلك الأنباء؟ قصتها باختصار أنها بدأت شائعات، ثم ما لبثت حتى أصبحت مطالبات بعد أن كُشف أمرها (لم ترقَ إلى أن تكون مطالبات شعبية)، ثم انتقلت إلى البرلمان برعاية عدد من النواب تواكبها حملة إعلامية ممنهجة بهدف الضغط على الحكومة السودانية! وبالنظر إلى مسوغات هذه المطالبة التي تتعارض مع كل ما نعرفه عن السودانيين من تمسكٍ بالقيم والمُثل العليا ونُبلٍ ومروءة؛ يتَّضح بجلاء للمواطن السوداني قبل أي أحد؛ من يقف وراءها أو على الأقل يستطيع أن يمسك خيوط الحقيقة المستترة خلفها!
يقول المطالبون، إن السعودية دعمت مصر التي لم تشارك في تحالف دعم الشرعية في اليمن، وحجبت الدعم عن السودان، ويستدعي المطالبون أزمة الوقود التي يشهدها السودان، ورواتب الجنود، لتسويغ الانسحاب، وهذا لا يمكن أن يكون منطق السودانيين الذين جاءت مشاركتهم انطلاقاً من القيم الدينية والأخلاقية، ودفاعاً عن أرض الحرمين من ميليشيات الحوثي المدعومة من إيران، والتي ليس لمكة المكرمة قداسةٌ في تاريخها ولا عند صواريخها! كما أن السعودية والإمارات لم تألوانِ جهدا في دعم السودان، والوقوف معه في كل نازلة، وهذا منهج راسخ في العلاقة الأخوية التي تجمعهم.
إذن، فلنفتَّش عمّن يريد إذكاء النزاع بين دول تحالف دعم الشرعية في اليمن من جهة، وبين مصر والسودان من جهة أخرى! أعتقد أن الأمر لا يتطلب الكثير من العناء! ويقولون إن الحرب طال أمدها بلا طائل، وتضاعفت تكاليفها وخسائرها، وأثرت سلباً على العلاقة بين الشعبين السوداني واليمني، وهذا تُحججٌ يفنَّده الواقع، فتحالف دعم الشرعية أضحى قاب قوسين أو أدنى من تحقيق أهدافه بنسبة 100 في المئة وما الخسائر الكبيرة التي مُني بها الحوثيون – أخيراً – إلا دليلاً دامغاً على ذلك، كما أن الشعب اليمني ضاق ذرعاً بالحوثيين، ويتحين لحظة الخلاص من عنصريتهم وبربريتهم، ويرفض رفضاً قاطعاً جعل اليمن ولاية فارسية، فكيف ينظر إلى قوات تحالف دعم الشرعية في اليمن بما فيها القوات السودانية على أنهم غزاة، كما توحي حجة تأثر العلاقات سلباً؟ أما حجة تضاعف التكاليف والخسائر، فهل من حربٍ بلا كُلفة ولا خسائر؟ ونعيد طرح السؤال الجوهري هنا أيضاً، من له مصلحة في ترويج أكذوبة عدم جدوى الحرب، واعتبار قوات تحالف دعم الشرعية غزاة ومعتدين؟ يُقال إن قوات تحالف دعم الشرعية خذلت المقاومة اليمنية بحرمانها من العدة والعتاد، وهنا ينبري الواقع ليرد على هذه الحجة الواهية، فكل يوم تُطلعنا وسائل الإعلام على تقدم مُحرز يسجل لمصلحة الجيش الوطني ومجموعات المقاومة، وبدعم من قوات تحالف دعم الشرعية في اليمن، فمن له مصلحة في إفهام القوات السودانية أن الهدف المرجو لن يتحقق، وفي الوقت ذاته، إفهام المقاومة اليمنية أن تحالف دعم الشرعية تخلى عنها؟
ومن المسوغات التي يروجها المطالبون أيضاً، أن السودان لن يكون في منأى عن الاستهداف الحوثي الصاروخي، وهذه المخاوف غير واردة في قاموس السودانيين الذين يتسابقون على الفداء، وتقديم الشهداء، فمن له مصلحة بالتخويف بصواريخ الحوثي أو بالأصح التهديد والوعيد بها؟
لو قمنا بجمع حجج المطالبين بالانسحاب وضمها إلى بعض، كما لو كانت صوراً مقطعة، سيتضح لنا أن هذه المطالبة أمرٌ بُيّت بليل، شارك فيه عددٌ من الأطراف الذين لهم مصلحة في إذكاء النزاع بين قوات تحالف دعم الشرعية لإفشالها وذهاب ريحها، بعد أن أوشكت على إتمام مهمتها في اليمن، وحسبك أن ترى الحوثيين ومن وراءهم الإيرانيين يتراقصون طرباً لهذه المطالبة، فقد أشاد محمد الحوثي بهذه المطالبة واعتبرها بادرة جيدة وإن كانت لا تكفي على حد تعبيره!